التخلص من القلق – د. مها فؤاد
القلق حالة نفسية تتصف بالخوف والتوتر ، وكثرة التوقعات ، وينجم القلق عن الخوف من المستقبل ، أو توقع لشيء ما ، أو عن صراع في داخل النفس بين النوازع والقيود التي تحول دون تلك النوازع .
والقلق أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا ، فهو يصيب 10 – 15 % من الناس ، ويزداد حدوثه في الفترات الانتقالية من العمر ، كالانتقال من مرحلة البيت إلى المدرسة ، أو من مرحلة الطفولة إلى المراهقة ، وعند الانتقال إلى سن الشيخوخة والتقاعد ، أو سن اليأس عند النساء .
كما قد يحدث القلق عند تغيير المنزل أو العمل أو ما شابه ذلك . وقد يصاب الإنسان بالقلق كانفعال طارئ يزول بزوال السبب ، وقد يصبح مزمنا يبقى مع الإنسان لساعات أو أيام .
ومن أشكال القلق قلق الأم على ابنها إن تأخر عن موعد وصوله ، وقلق الإنسان على وظيفته وعمله ، أو قلق المرء على صحته حين يمرض ، وقلق الطالب على نتائج امتحاناته ، أو قلق التاجر على تجارته .. وهناك أشكال كثيرة من القلق لا مجال لحصرها . ويصاب الإنسان القلق بأعراض مختلفة ، منها الإحساس بالانقباض ، وعدم الارتياح والشعور بعدم الطمأنينة، والتفكير الملح والأرق ، كما قد يشكو القلق من الخفقان وإحساس بتشنج في المعدة أو برودة في الأطراف ..
وليس منا من لا يقلق في لحظة من اللحظات ، أو موقف من المواقف ، فهذا أمر طبيعي ، أما أن يستمر القلق لأيام ، بل لشهور أو سنين ، فهذا ما لا تحمد عقباه . ومن الناس من يقلق لأتفه الأسباب ، فتساوره الهموم والشكوك ، ويعيش أيامه بين القلق والاكتئاب .
فإذا أردت اجتناب القلق عليك مراجعة نفسك وموازينك ، وتدبر أمورك وأحوالك .
وإليك بعض الوصايا التي يمكن أن تساعدك في التخلص من القلق ..
1. عش في حدود يومك ولا تقلق على المستقبل ، ولا تخش قلة الرزق ، فالرزق بيد الله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) سورة الذاريات آية 22 .
2. ذكر نفسك بالثمن الفادح الذي يدفعه جسمك ثمنا للقلق .
3. دع التفكير في الماضي ، فإنه لن يعود مهما حاولت .. يقول الرسول عليه السلام : ” وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ” رواه مسلم وأحمد
4. تدبر الحقائق بعناية قبل صنع القرار ، ومتى اتخذت قرارا حصيفا ، أقدم على تنفيذه واستعن بالله ولا تتردد .. وتذكر قول رسول الله عليه السلام : ” إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ” رواه الترمذي وأحمد في مسنده .
5. ارض بقضاء الله تعالى وقدره . فالمؤمن لا يخشى مصائب الحياة ، فكل أمره خير .. يقول عليه السلام : ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” رواه مسلم وأحمد . ويقول تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) سورة البقرة 216
6. أحص نعم الله عليك ، بدلا من أن تحصي همومك ومتاعبك . يقول تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) سورة إبراهيم 34 . واسأل نفسك دوما : هل تستبدك مليون ريال بما تملك ؟ أتبيع عينيك مقابل بليون دولار ، وكم من الثمن ترى يكفيك مقابل يديك أو ساقيك أو أولادك ؟ احسب ثروتك بندا بندا ، ثم اجمع هذه البنود ، وسوف ترى أنها لا تقدر بثمن . يقول شوبنهور : ” ما أقل ما نفكر فيما لدينا ، وما أكثر ما نفكر فيما ينقصنا ” .
7. لا تهتم بتوافه الأمور ، ولا تجعل صغائر المشاكل تهدم سعادتك ، ولا تسمح لنفسك بالثورة من أجل أشياء تافهة .
8. لا تعط الأمور أكثر مما تستحق ، قدر قيمة الشيء ، وأعط كل شيء حقه من الاهتمام .
9. استغرق في عملك ، فإذا ساورك القلق أشغل نفسك بما تعمل أو بأمر آخر مفيد ..
10. لا تكن أنانيا ، وصب اهتمامك على الآخرين ، واصنع في كل يوم عملا طيبا يرسم الابتسامة على وجه إنسان.
يقول عليه السلام : ” أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطعمه خبزا ” أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي . قال الألباني : حديث حسن .
11. اجعل عملك خالصا لله تعالى ، ولا تنظر الشكر من أحد . قال عليه السلام : ” إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ” رواه الشيخان .
12. ركز جهودك في العمل الذي تشعر من أعماقك أنه صواب ، ولا تستمع للوم اللائمين ، وإذا ما وجدت نفسك على خطأ فالتراجع عنه فضيلة .
13. احتفظ لنفسك بسجل تدون فيه الأخطاء التي ارتكبتها ، واستحققت النقد من أجلها ، عد إليها من حين لآخر ، لتستخلص منه العبر التي تفيدك في مستقبلك . واعلم أنه من العسير أن تكون على صواب طوال الوقت ولا تستنكف أن تسأل الناس النقد النـزيه الأمين وتقبل نصيحة الراشدين ، فالنبي عليه السلام يقول : ” الدين النصيحة ” رواه مسلم وأحمد
14. لا تفكر في محاولة الاقتصاص من أعدائك ، فإن حاولت ذلك أذيت نفسك أكثر مما تؤذي أعداءك . قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) فصلت 34 . واكظم غيظك ولا تغضب ، فالله تعالى يمتدح الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس . قال تعالى : ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )
15. حاول أن تغير الأشياء السلبية إلى إيجابية .. ويضرب ديل كارنجي مثلا فيقول : ” إذا لقيت بين يديك ليمونة مالحة ، فحاول أن تصنع منها شرابا سائغا حلوا ” .. وفكر دوما في السعادة ، واصطنعها لنفسك تجد السعادة ملك يديك …
16. اعرف نفسك ولا تحاول التشبه بغيرك ، ولا تحسد أحدا من الناس ، فقد رفع الله الناس بعضهم فوق بعض،قال تعالى : ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم ) الأنعام 165
17. التزم في عملك بالقواعد التالية : – استرح قبل أن يدركك التعب .
– حين تعترضك مشكلة احسمها فور ظهورها .
– أضف إلى عمك ما يزيد استمتاعك به .
– تعود النظام والترتيب .
– افعل الأهم ثم المهم .
– لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .
– لا تحمل نفسك ما لا تطيق . قال تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
18. تحر الحكمة في إنفاقك ولا تقتر على عيالك .. قال عليه السلام : ” أفضل الدنانير دينا ينفقه الرجل على عياله ، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل ” رواه مسلم وأحمد وقال تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) الإسراء 29
19. لا تستسلم لعقدة الإحساس بالذنب ، فالله تعالى غفور رحيم .. قال تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) سورة طه 82 . وقال أيضا في محكم كتابه : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) الزمر 53
20. إذا أصابتك لحظات من القلق والخوف ، فلا تجزع ولا تيئس فقد تكون ابتلاء من الله تعالى ، فعليك بالصبر والاستعانة بذكر الله تعالى .. قال تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون ) سورة البقرة 155 – 157
وقال تعالى : ( إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ) سورة يوسف