أدب الذوق في الحوار والكلام
إسلامنا عظيم، إسلامنا جميل. ليس العيب في الإسلام، إنّما العيب فينا نحن، افهم إسلامك وعش به ينصلح الكون من حولك، فإنّ الدنيا تحتاج إلى الإسلام. فهل أنت ممن يحمله لهذه الدنيا؟
ومن الذوقيات في الكلام أن لسانك دائماً ما يكون طاهراً، لا ينطق بالإساءة وإن كنت مازحاً.
إليك هذا الموقف: كان أحد التابعين يسير هو وابنه الصغير في الطريق، فرأى الولد كلباً يمر، فقال الولد: امضِ يا كلب يا ابن الكلب. فقال أبوه: إياك أن تقول هذا. فقال الابن: لماذا يا أبت؟ وهو كلب وابن كلب. فقال الأب: يا بني.. أنت قلتها للتحقير لا للإثبات، ولا ينبغي أن يخرج من فمك هذا.
ما هذا؟ إنّها تربية عظيمة، وأدب جم. هيا نتعاهد من الآن ألا تخرج من فمنا كلمة واحدة تؤذي المشاعر وإن كانت صحيحة. فمن تعود على الألفاظ المهذبة مستحيل أن يلجأ إلى غيرها.
يروى أنّ أحد الصالحين كان يمشي هو وأصحابه، فوجدوا خنزيراً نافقاً وله رائحة نتنة، وأصبح شكله لا يطاق، فأخذ كل واحد منهم ينال منه بلسانه: يا لقذارته.. يا لنتانته.. ولكن قال: يا لبياض أسنانه. فتعجبوا من صنيعه، فقال لهم ما معناه: لم يتعود لساني على القبيح.
إنّنا نريد أن نخرج من خلق الذوق بشيء مهم جدّاً، ألا وهو عدم إيذاء شعور الآخرين أياً كان الفعل. فلقد كان النّبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أنكر فعلاً من إنسان، لم يذكر اسمه صراحة، بل تجده يقول: “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا”. ولا يصرح حفاظاً على شعور الآخرين. فهذا من قمة الذوق.
فلتكن من الآن لماحاً.. تفهمها و”هي طايرة” كما يقولون: إذا أحسست بأنّ الكلمة التي ستقولها ستضايق من أمامك، فلا تقلها.
عش معي الآن هذه الآيات الآتية، وانظر إلى الذوق وأدب الحديث والحفاظ على شعور الآخرين، وكيف حفظها الله في قرآنه إلى اليوم وإلى قيام الساعة.
كلنا يعرف قصة سيدنا يوسف، وكم من الابتلاءات تعرض لها وأوّلها تآمر إخوته على قتله.
يقول تعالى: (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (يوسف/ 100). سبحان الله.. إنّه أمر عجيب، كان من الأولى أن يقول: “وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن والجب”.
فلماذا لم يذكر إلا السجن؟
هذا لأن إخوته أمامه. فلو قال ذلك سيؤذي مشاعرهم، وسيشكر الله ويحمده على أن أخرجه من الجب في سره لا أمام إخوته.
ذوق رفيع وأدب عظيم نتعلمه من القرآن.
ثمّ قال: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) (يوسف/ 100). كلمة كلها ذوق ومراعاة لشعور الآخرين. لقد كانوا في مجاعة عظيمة، فساءت أحوالهم في هذه المجاعة أيما إساءة، وعلى الرغم من ذلك تلطف وقال: وجاء بكم من البدو.
تكملة الآية: (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي).
كيف ذلك؟ لقد نزغ الشيطان بين إخوته. ولكن سيدنا يوسف لم يرد أن يجرح مشاعرهم، ويجدها الشيطان فرصة أخرى. فقال: (بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي).
ومن تطبيقات خلق الذوق: الذوق مع أصحاب المراكز العليا، أمثال: أستاذ الجامعة، أستاذ المدرسة، الأب. فمن السنة أن ننزل الناس منازلهم، إلا في حالة الحرب.
وتعلم من النبي (صلى الله عليه وسلم).
لقد بعث برسالة لكسرى ملك الفرس، الذي يسجد للنار. فقال له: “من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس”. وبعث إلى هرقل ملك الروم.. فقال له: “من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم”.
كيف ذلك أنّهم كفار؟
إنّ الأخلاق عندنا لا تتجزأ.. إننا نعامل الناس بأخلاقنا لا بأخلاقهم.. إياك أن تقول لأستاذك: “أنت”، لقد خالفت النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم) بفعلك هذا. قل: “حضرتك”. نريد بأخلاق الإسلام أن تحدث طفرة في مجتمعاتنا. وينتشر الذوق والأدب الرفيع انتشاراً كبيراً، ولن يحدث ذلك إلّا بذوقك أنت وبأدبك أنت.
ومن الذوقيات المهمة الذوق والأدب مع أصحاب الفضل عليك. كل من كان له فضل عليك كان له حق عليك. وأوّل هذه الحقوق أن تتأدب معه.
وفي الختام.. من هنا يتبيّن لنا أنّ الإسلام دين الذوق مع كل شيء وفي كل شيء. وهذا هو أبلغ رد على كلّ مَنْ يهتم الإسلام بالتخلف والرجعية والتطرف. ونقول له: هذا ديننا، وهذه حضارتنا. فتعلموا منها الرقي والذوق والحضارة التي فقدتموها بالأمس وتبحثون عنها اليوم.
تم نشر هذا المحتوي علي جريدة عالم التنمية برعاية
أكاديمية “بناة المستقبل” الدولية
برئاسة أم المدربين العرب – الدكتورة “مها فؤاد” مطورة الفكر الإنساني
و” المنظمة الامريكية للبحث العلمي”
www.us-osr.org